السؤال رقم: 93 لماذا يعتبر القرآن معجزة لغوية؟

السؤال رقم: 93 لماذا يعتبر القرآن معجزة لغوية؟

الإجــابة يتضح الإعجاز اللغوي في القرآن العظيم من وجوه كثيرة تجل عن الحصر، وسبب كونها تجل عن الحصر؛ أن الكاتب في هذا العصر وكذا القارئ ليس بمستوى من أنزل عليهم القرآن من أهل اللغة العربية، الذين كانوا يعرفون أساليبها ونظمها، ويفرقون بين الكلام الذي في غاية البيان، والكلام الذي دونه. ثم هم الذين اعترفوا ببلاغته وإعجازه. وسنحاول أن نبين بعض هذه الأوجه لعلنا نوفق لشيء من ذلك، فمن هذه الأوجه ما يلي: الأول: أن القرآن العظيم تنزيل إلهي، فهو كلام الله وخطابه للبشر، فكيف لا يكون غاية في الإعجاز والبيان وهو كلام الله، فكما أن الله أعظم وأجل وأكبر من كل مخلوق، فإن كتابه وبيانه وخطابه أجل من كل كلام وبيان، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير} [سورة الشورى:11]. الثاني: أراد سبحانه وتعالى أن يجعل آية الرسول صلى الله عليه وسلم العظمى هي القرآن العظيم وهو كتاب سيقرأه الناس إلى قيام الساعة؛ فقضى سبحانه وتعالى أن يكون في غاية البيان والفصاحة، قال تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِين} [سورة الشعراء:195]، وحيث تحقق له ذلك؛ فحقّ له أن يكون في أعلى مستويات الفصاحة والبيان. الثالث: جاءت الموضوعات في هذا الكتاب العظيم متآلفة الألفاظ، يأخذ بعضها برقاب بعض، يَرِدُ فيه الأمر العقدي، والسنة الكونية، والخبر، والعظة، والوعد والوعيد، والأمر والنهي، في آية واحدة، في نسق لغوي عال، له حلاوة عند سماعه، بليغ في مكوناته اللغوية، قاطع في حجته، حافل بالأسئلة المفحمة والملجئة، وكل ذلك بلغة رصينة، تبهر القارئ، وتأخذ بمجامع القلوب فتصغي لموعظته، وتصدق خبره، وتأتمر بأمره، وتنهتي عن نهيه، وهذا محال أن تستوعبه لغة غير العربية. الرابع: اللغة العربية لغة واسعة المفردات، وجذورها اللغوية كثيرة جداً، والقرآن العظيم لم يرد فيه إلا المفردات والكلمات ذات الجذر السهل القريب للأذن، الذي يسهل تردادها وحفظها، ولم يرد فيه كلمات غريبة مستوحشة، وهذا الاصطفاء الإلهي البياني من جذور كلمات العربية جعل للقرآن العظيم خصائص إعجازية كثيرة، يسرت تلاوته وحفظه وحلاوة سماعه. الخامس: أن المحتوى الموضوعي في القرآن الكريم متنوع أشد التنوع، والعادة أن كل نوع من الموضوعات يحتاج إلى لغة تخصه، فلغة الموعظة غير لغة الموضوع القانوني الجزائي، غير لغة الترغيب والترهيب، ولغة الأخبار والتشويق غير لغة الإنباء عن الغيب، ولغة البراهين والأسئلة الملجئة غير لغة الأحكام والتشريع، إلى غير ذلك من موضوعات القرآن، والعجيب أن ذلك كله جاء بأسلوب واحد شامل لكل هذه الموضوعات، لا تستنكر الأذن أو العين ورود أسلوب في غير محله، أو ورود موضوع في غير محله. السادس: أن القرآن العظيم يسوق المسألة العظيمة بأسلوب في غاية اللطف والهدوء حتى لو كان المخاطب في مستوى من الجهالة وخيم، انظر إلى قوله تعالى: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُون وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون} [سورة الصافات:95-96]، فهل رأيت خطاباً يوقظ العقل، ويناقشه في أعظم موروث سيطر على العقول سنين، بهذا الأسلوب الرائع الهادي، المفحم الملجيء، هل يمكن لعاقل أن يعبد ما ينحت، ويخشع لما لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر. السابع: أن القرآن العظيم كتاب دين شامل، تناول التشريع الذي قد يستحيا منه، فأورد الأمر به بتعبير عال يؤدي الغرض ولا يستهجنه السمع، كما في الآيات التي تتناول علاقة الرجل بزوجته، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [سورة النساء:43]، فعبر عن هذه العلاقة بالملامسة، وعبر عن قضاء الحاجة بالغائط، والغائط في لغة العرب هو المكان المنخفض، لأن عادة من يقضي حاجته في الصحراء أن يبحث عن مكان منخفض؛ ليستتر عن الناس. الثامن: أن البشرية في كل عصورها يتسابق أدباؤها وشعراؤها في كتابة نص يكون في محل الصدراة، فخلد التاريخ مدونات أدبية: شعراً، وروايةً، وتأليفاً، كلها طغى عليها ضعف البشر، فهي إما سرد لقصة، أو كتابة لقصيدة تصف ما يدور في ذهن الشاعر، ولكنها لا تحمل قيماً وتشريعاً وأخباراً عن الغيب، بل هي باختصار تحكي شيئاً من واقعهم، فلما جاء القرآن في أعلى درجات الفصاحة، ومحتواه عظيم وشامل ومتنوع؛ أخذ بألباب البشر وعقولهم فعظموه، وهو يستحق التعظيم كله. التاسع: أن العرب الذين نزل بلغتهم القرآن العظيم كانوا يعقدون المواسم السنوية للمسابقة في فصاحة بيانهم، سواء في الشعر أو الخطابة أو النثر، وكان الشاعر يمضي عامين يصنع قصيدته؛ لتنال السبق في الموسم، فلما جاء القرآن العظيم أبهرهم، وعلموا أن كل فصاحة كانوا يتباهون بها لم تبلغ القرآن ولن تدانيه، كيف لا، والله تحداهم في أكثر من مرة أن يأتوا بمثل القرآن العظيم، أو بمثل سورة من مثله، فعجزوا، فدل ذلك على دلائل كثيرة منها أنه معجز في بيانه وفصاحته. هذه بعض جوانب إعجازه من حيث اللغة، وأستغفر الله أن يكون مثلي يبين إعجازه اللغوي؛ لأن كل بيان لإعجازه سيكون حتماً دون ما يستحقه من بيان. ينظر: الرسالة للشافعي ص79-88، تفسير القرطبي 6/ 31-32، مجموع الفتاوى 26/ 25-26، الموافقات 2/ 101-108. الرقم المُوحد: 1490

المصدر

التصنيفات

الأسئلة المتعلقة

كيف تناول الإسلام الإيمان بعيسى عليه السلام؟

ج: الله، والرب، والرحمن، والسميع، والبصير، والعليم، والرزاق، والحي، والعظيم، والحكيم .... إلى غير ذلك من الأسماء الحسنى والصفات العُلى.

ج/ فقل: هو التوسل الذي أبطله الشرع؛ كمن يتوسل بالأموات ويطلب منهم المدد والشفاعة، فهذا توسل شركي بإجماع الأئمة, ولو كان المتوسلٌ بهم من الأنبياء أو الأولياء، قال تعالى: } وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى{ (الزمر:3)، ثم أعقب وصفهم بالحكم عليهم, فقال تعالى: ...

هل يصح أن النبي محمدًا قد كتب القرآن ونسخه من الإنجيل (العهد الجديد (Gospel؟

ج/ فَقُلْ: لا , ولابد من اجتماع صلاح النية وهو إخلاص العمل لله مع العمل وفق شريعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والدليل قوله تعالى: } فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا{ (سورة الكهف:110) فاشترط الله في الآية لقبول العمل صلاح النية، ...
تم الإرسال بنجاح