السؤال رقم: 73 هل للمسلمين أية إسهامات فـي النهوض بالبشرية؟

السؤال رقم: 73 هل للمسلمين أية إسهامات فـي النهوض بالبشرية؟

الإجــابة: أهمية /1 أسهم المسلمون في النهوض بالبشرية إسهامًا لا يدانيه إسهام أي أمة، وكان إسهامهم عظيمًا شاملًا من خلال الجوانب التالية: الأول: المكان الذي عمّره إسهامهم. الثاني: المدة الزمنية التي تشرفت بإسهامهم. الثالث: محتوى الإسهام الحضاري الذي قدموه. أما من حيث المكان الذي عمّره إسهامهم الحضاري: فقد استوعبت حضارتهم المعمور من الكرة الأرضية في وقتهم، حتى قال جورج بوش ـ وهو جد الرئيس الأمريكي ـ أستاذ اللغة العبرية في إحدى الجامعات الأمريكية عن دولة الخلافة الإسلامية: «لقد استطاعت في ظرف ثمانين سنة أن تبسط سلطانها على ممالك وبلاد أكثر وأوسع مما استطاعته روما في ثمان مائة سنة، وتزداد دهشتنا أكثر وأكثر إذا تركنا نجاحه السياسي –يقصد النبي محمدا صلى الله عليه وسلم- وتحدثنا عن صعود دينه وانتشاره السريع واستمراره ورسوخه الدائم» محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين». تأليف جورج بوش، تعريب الأستاذ عبد الله الشيخ. لا يقر هذا الكافر على أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو مؤسس دين الإسلام، وليست دولة الخلافة إمبراطورية. أما من حيث الزمان: فقد امتد حكم المسلمين لأكثر من 1340سنة، تتعاقب عليه الدول الإسلامية ابتداءً من دولة الخلافة الراشدة، ثم دولة بني أمية، ثم دولة بني العباس، ثم أعقبتها الدولة العثمانية ولم تسقط راية الدولة الإسلامية إلا عام 1344هـ الموافق 1923م، بمعنى أن الدولة الإسلامية امتد حكمها لأكثر من ألف وثلاثمائة سنة، ولا يَعرِف التاريخ دولة امتد نفوذها وسلطانها لألف عام، تحمل راية واحدة هي راية الإسلام، وإن اختلفت قبيلة الأسرة الحاكمة، أو جنسها كالعرب أو الترك، أو مكان قيادة الدولة وعاصمتها. أما محتوى الإسهام الحضاري الذي قدمه المسلمون فهو محتوى مشرق شامل متنوع، متوافق مع العقل والعلم والروح والجسد والفطرة، وسنعرض شيئًا من جوانب هذا المحتوى في الجوانب المشرقة التالية: الجانب الأول: تضمن الإسهام الحضاري الذي قدمه المسلمون دينًا قيمًا وسطًا لا غلو فيه ولا تفريط، دين هو دين الأنبياء عليهم السلام، دين اليسر والفطرة، دين يغذي القلب والعقل والروح، ويتوافق مع الفطرة، ويحقق متطلبات الجسد، ويحقق متطلبات الروح، دين لا يستغني عنه الإنسان بحال؛ لأن الإنسان متدين بفطرته، ولا ينفك عن أن يتدين بدين، فقدم المسلمون للعالم دينًا إلهيًا، لا تزال البشرية تتدين به، وتقبل عليه ويدخل فيه الآلاف من الناس يوميًا على اختلاف مستوياتهم الفكرية والعلمية والاجتماعية. وكم شقي الإنسان الغربي بحضارته المادية التي أهملت الدين ومتطلبات الروح فشقي بسببها الإنسان، وكم شقي الإنسان الشرقي بأديان بشرية موغلة في تحقيق متطلبات الروح على حساب الحياة والعقل والجسد. الجانب الثاني: تضمن الإسهام الحضاري الذي قدمه المسلمون العلم، فقدم المسلمون للبشرية العلم المتكامل الذي يجمع العلم الإلهي والعلم البشري، ويسهم في إسعاد البشر، ونقلوا للأمم ما صح من علوم الأمم قبلهم، وتجاوزوا ما عند تلك الأمم من الخرافات والعلوم الزائفة، وزادوا عليها، فقدموا مخترعات في وقتهم كانت عجيبة، ولهم عناية في علم الفلك كالعالم محمد بن إبراهيم الفزاري، المتوفى سنة 180، كان يصنع الإصطرلاب، ومثله محمد بن موسى الخوارزمي، المتوفى سنة 232، عالم الجبر، ولا يزال الذكاء الاصطناعي يعتمد على خوارزميات هذا العالم الفذ. وقدموا للعالم المنهج التجريبي بمفهومه الحديث، والمنهج التجريبي هو الذي قاد الحضارة الغربية للمنتجات المعاصرة، وكان أبناء نبلاء أوروبا يدرسون العلوم في جامعات المسلمين في قرطبة وبغداد والشام. الجانب الثالث: تضمن الإسهام الحضاري الذي قدمه المسلمون العدل التام، والتشريع المتكامل الذي حفظ لكل ذي حق حقه، وعاش تحت راية دول الإسلام على مدى 1340 سنة أنواع من الجنس البشري، ينتسبون لديانات متعددة يهود ونصارى وبوذيون وزرادشتيون وهنودسيون....، لم يجد أحد منهم تضييقًا عليه بسبب جنسه أو دينه أو بلده؛ لأن المسلمين يلتزمون بمضمون قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون} [سورة المائدة: 8]، وحافظت الدولة على أديانهم وممتلكاتهم وأموالهم، وكفلت لهم سائر حقوقهم، وكان التشريع الذي يطبق في كازاخستان أو الأندلس (أسبانيا) هو الذي يطبق في مكة المكرمة والمدينة النبوية، الجميع شملهم شرع واحد، وهذا الشرع شمل الحقوق المدنية والدينية والسياسية والحربية والاجتماعية والميراث وقسمة التركات-لا يوجد نظام متكامل لقسمة المواريث في العالم إلى اليوم يقارب هذا النظام أو يدانيه- ولا يزال الإنسان إلى اليوم في كثير من الدول يستطيع أن يهب ثروته كلها لكلبه ويحرم أولاده منها، وكان هذا الشرع محل قبول الجميع، في حين أننا نجد العالم اليوم كل دولة لها قانونها، فلم يتفقوا على قانون واحد، وفي قوانينهم من الجور والعنصرية والظلم ما لا يخفى على أحد، فهل قامت الحضارة المادية إلا على ملايين العبيد الذين سرقوهم من إفريقيا؟ وهل قامت اقتصادياتهم إلا على ما نهبوه وما زالوا ينهبونه من اقتصاديات الدول الضعيفة واستنزاف خيراتها، واستغلال مناجمها وثرواتها؟ وفوق ذلك كانوا يستهدفون أن تبقى الدول الفقيرة دولًا مستهلكة، فلا يشجعونها إلا على المشاريع الاستهلاكية، ويحاولون أن يحولوا بينها وبين المشاريع التنموية، فهل هذا من العدل؟ الجانب الرابع: تضمن الإسهام الحضاري الذي قدمه المسلمون الطب تعليمًا وممارسة، فكانت المستشفيات في كل مدينة من المدن الإسلامية، واعتنى الأطباء بل بعض الخلفاء بالعلوم الطبيعية، كالمنصور والرشيد، وأسس المسلمون المدارس لدراسة الطب في البصرة والكوفة وبغداد ودمشق، وكانت مصنفاتهم الطبية، وطرائقهم في العلاج لا تزال محفوظة في الكتب، وحينما كانت المدن الإسلامية تتنافس في عدد المستشفيات لم تكن أوربا في ذلك الوقت تعرف المستشفيات. الجانب الخامس: تضمن الإسهام الحضاري الذي قدمه المسلمون الفكر الراقي والمؤلفات في كل فن وعلم، وتسابق الخلفاء والأمراء في تقديم الجوائز والمنح للعلماء والمؤلفين، وكانت مجالس الخلفاء منتديات فكرية تناقش فيها أصناف الفكر والشعر والمسائل العلمية، وتسابق الخلفاء في بناء المكتبات وتزويدها بالكتب، وتعيين الموظفين فيها، ووقف الأوقاف عليها، وكانت هذه الجوانب: التأليف والمكتبات والأوقاف والمنتديات العلمية والفكرية عظيمة جدًا، وكثيرة، ومتنوعة، لا يعرف قدرها إلا من قرأ تاريخ المسلمين في هذه المجالات وغيرها من المجالات المشرقة. الجانب السادس: تضمن الإسهام الحضاري الذي قدمه المسلمون: العناية بالمرأة فقد اعتبرها الإسلام شقيقة الرجل، وعليها ما على الرجال من الواجبات، ولها من الحقوق مثل ما للرجل، وإن كان لكل جنس ما يخصه من الأحكام بحسب ما يناسبه، بحسب طبيعته وخلقته، قال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [سورة النساء: 124]، وكفل لها النفقة على وليها والدًا أو زوجًا، وفرض على الرجل أن يقدم للمرأة عند الزواج بها مهرًا، وإن كان الزواج مصلحة مشتركة للزوجين، وكلفه أيضًا أن يوفر لها السكن اللائق بها، وإن احتاجت خادمًا فيوفر لها من يخدمها، ووصى الرجال بها في آيات وأحاديث كثيرة، في حين أن اليهود والنصارى يعتقدون أن المرأة هي سبب خطيئة آدم، ولذلك يتعاملون معها وفق هذا الأساس، واختلف النصارى إلى عهد قريب هل المرأة لها روح أم لا؟ وتوصلوا أن لها روح ولكنها روح شيطانية، وإلى اليوم فراتبها أقل من راتب الرجل وإن اتفقا في المؤهلات والعمل. الجانب السابع: تضمن الإسهام الحضاري الذي قدمه المسلمون: الرفاهية الراقية التي كان ينعم بها جميع أفراد المجتمعات الإسلامية، وتفننوا في وقف الأوقاف على ما يحقق رفاهية الناس، وكانت توقف الأوقاف على احتياجات الناس وخدمات الفقراء، وكانت تصرف من هذه الأوقاف على المستضعفين والمجانين وعلاج المرضى الذين لا يستطيعون دفع تكاليف العلاج. الجانب الثامن: تضمن الإسهام الحضاري الذي قدمه المسلمون: النظافة، والنظافة في الإسلام منظومة متكاملة، تبدأ بنظافة القلب من الشرك والكفر والحسد وسائر الأخلاق الذميمة، ونظافة البدن، وأوجب على المسلم أن يغتسل كل أسبوع لصلاة الجمعة، فهل رأيت أمة يوجب عليها دينها أن تغتسل في كل أسبوع، كما أوجب الغسل على الزوجين بعد الجماع، وندب الإسلام إلى نظافة البيوت والفرش والأفنية والطرقات، وكانت مدن الأندلس (أسبانيا) فيها قنوات لتصريف مياه المجاري، في حين كانت هذه المياه تجري في طرقات باريس، وكانت باريس لا تعرف فيها الإنارة في الليل، وتعاني من التلوث البيئي، في حين كانت شوارع فاس مضاءة ومرصوفة ونظيفة، ولما دخل الأسبان إلى المدن الإسلامية وجدوا فيها حمامات البخار ولم يكونوا يعرفونها؛ فكسروها ظنوا أنها من دور العبادة للمسلمين. الجانب التاسع: تضمن الإسهام الحضاري الذي قدمه المسلمون: السلم والسلام، فلم تنتج حضارة المسلمين الأسلحة النووية، ولا الجرثومية، ولا أسلحة الدمار الشامل، ولم يعرف عن المسلمين أنهم حاصروا بلدًا حتى مات أطفاله ونساؤه جوعًا ومرضًا، ولم يعرف المسلمون المقابر الجماعية، ولا جناية التطهير العرقي كالتي استخدمت لتطهير أمريكا من سكانها الهنود الحمر، أو استخدمتها جيوش الاحتلال التي غزت الدول الأخرى في العصر الحديث. إن الإسهام الحضاري كما تقدم، وكما عرضنا هو إسهام راق شامل متنوع، بَنَّاءٌ وعادل ومتوازن، لا يعرف العنصرية، ولا الظلم، ولا الإبادات الجماعية. وقد تسأل لماذا هذا التميز في الحضارة الإسلامية؟ فأقول: لأن منطلقات الحضارة الإسلامية وأساسها ومبادئها صادرة عن دين عظيم متكامل شامل، إنه دين رب العالمين، دين الإسلام، الذي شمل في عقائده وفرائضه وشرائعه حقوق الخالق، وحقوق المخلوق، ومصالح الدنيا ومصالح الآخرة، وما يتعلق بالدين، وما يتعلق بالدنيا، وما يختص بالمسلم وما يختص بغير المسلم، وصدق الله حيث يقول: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون} [سورة الأنعام: 38]. وقد فُصِّل الحديث عن ذلك في كتب كثيرة، نشير إلى كتب مختصرة منها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. انظر: الحضارة الإسلامية لعبد الرحمن حبنكة الميداني ص549-579، والقيم الحضارية في الإسلام لمحمد بن عبد الله السحيم. الرقم المُوحد: 1310

المصدر

التصنيفات

الأسئلة المتعلقة

جـ(16): يدخل مع الإمام في الصلاة حيث أدركها؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا»([13])، وإذا سلّم الإمام أتمّ ما فاته إن بقيت الجنازة لم ترفع، وأما إذا خشي رفعها فإن فقهاءنا رحمهه الله يقولون: إنه يخيّر بين أن يتم ويتابع التكبير، وأن يسلّم مع ...

الإجــابة:

ﺟ29: المعروف عند أهل العلم: أن المرأة إذا أسقطت لثلاثة أشهرٍ فإنها لا تصلّي؛ لأن المرأة إذا أسقطت جنينًا قد تبين فيه خلق إنسانٍ فإن الدم الّذي يخرج منها يكون دم نفاسٍ لا تصلّي فيه. قال العلماء: ويمكن أن يتبين خلق الجنين إذا تم له واحدٌ وثمانون يومًا، وهذه أقلّ ...

كيف تناول الإسلام الإيمان بعيسى عليه السلام؟

جـ(60): الّذي أرى ما ذهب إليه بعض طلبة العلم، وهو أن الإكثار من زيارة أهل العلم والعبادة ربما يؤدّي في النّهاية إلى الغلوّ الواقع في الشّرك، ولهذا ينبغي أن يدعى لهم بدون أن تزار قبورهم، والله عز وجل إذا قبل الدعوة فهي نافعةٌ للميّت، سواءٌ حضر الإنسان عند قبره، ودعا ...
تم الإرسال بنجاح